أبل والصين- قصة نجاح محفوفة بالمخاطر الجيوسياسية

المؤلف: حسين شبكشي09.06.2025
أبل والصين- قصة نجاح محفوفة بالمخاطر الجيوسياسية

في كتابه المثير للتمعن والتفكير، والذي يحمل عنوان «أبل في الصين: أسر أعظم شركة في العالم»، يقدم الصحفي البارز باتريك ماك جي، المراسل المخضرم في صحيفة الفاينانشال تايمز المرموقة، رؤية تحليلية معمقة وشاملة حول طبيعة العلاقة المعقدة والمتشابكة التي تربط بين شركة أبل العملاقة والصين. يرى ماك جي، بعين الخبير النافذة، أن هذه العلاقة، التي كانت في بدايتها بمثابة حجر الزاوية وأساساً ضرورياً لتحقيق النجاح الساحق والنمو الهائل الذي حققته أبل، قد تحولت اليوم إلى نقطة ضعف جوهرية تهدد وجود الشركة بأكمله، وتحمل في طياتها تداعيات جيوسياسية وخيمة وذات أبعاد خطيرة.

يسلط ماك جي الضوء بوضوح وجلاء على الكيفية التي دفع بها سعي أبل الدؤوب والمستميت لتحقيق أقصى قدر ممكن من الأرباح الطائلة والوصول إلى قوة عاملة ضخمة وهائلة العدد وبتكلفة زهيدة ومنخفضة، إلى تركيز القسم الأكبر والحيوي من عمليات تصنيع منتجاتها المبتكرة في الصين. هذا القرار الاستراتيجي، الذي اتخذه تيم كوك بحكمة وروية، مكن أبل من التوسع والانتشار على نطاق غير مسبوق، ولكنه في الوقت نفسه منح الحكومة الصينية نفوذاً وسلطة هائلة ومؤثرة على مصير الشركة ومسارها المستقبلي.

ويشير بتركيز واهتمام إلى أن الصين لم تقتصر على توفير العمالة الرخيصة واليسيرة فحسب، بل وفرت أيضاً سرعة فائقة ومرونة استثنائية، وهو ما يعرف بـ «سرعة الصين» في مجال الإنتاج، والتي كانت ضرورية وحيوية للغاية لدورات إطلاق منتجات أبل السريعة والمتلاحقة. ومع ذلك، يؤكد ماك جي أن هذه العلاقة الوثيقة قد أدت إلى وقوع أبل في «فخ» محكم. فبينما كانت أبل تقوم بتدريب وتأهيل الصين على خبراتها الصناعية المتطورة والمتفوقة، كانت الأخيرة تستوعب هذه المعرفة القيّمة وتستخدمها بذكاء ومهارة لتطوير وتعزيز قدرات منافسيها المحليين، مثل شركتي هواوي وشاومي الصاعدتين.

يشدّد ماك جي بإصرار وتأكيد على أن أبل أصبحت الآن أسيرة ورهينة للنظام الاستبدادي الصيني، الذي يفرض مطالب متزايدة ومتصاعدة على الشركة، بما في ذلك التحكم الكامل في البيانات الحساسة وسلاسل التوريد المعقدة. ويذكر أن محاولات أبل الحثيثة لتنويع سلاسل إمدادها بعيداً عن الصين، والتوجه نحو دول أخرى مثل الهند، تواجه تحديات جمة وصعوبات بالغة. فإذا تحركت أبل بسرعة مفرطة، فإنها تخاطر بإثارة غضب واستياء بكين والمستهلكين الصينيين، مما قد يؤدي إلى رد فعل عنيف وانتقام شديد. وإذا تحركت ببطء شديد وتراخٍ، فإنها تظل عالقة في دائرة تبعيتها للصين، وتفقد قدرتها على المناورة.

كما يتناول ماك جي التداعيات الجيوسياسية الأوسع نطاقاً، مشيراً بوضوح إلى أن اعتماد أبل العميق والجذري على الصين يشكل نقطة ضعف ليس فقط للشركة نفسها، بل للولايات المتحدة بأكملها. ويشير أيضاً إلى أن عودة دونالد ترمب إلى السلطة قد زادت من احتمالية استمرار الحروب التجارية والتعريفات الجمركية، مما قد يزيد من الضغط الهائل على علاقة أبل المتوترة بالصين.

باختصار، يرى باتريك ماك جي أن علاقة أبل بالصين هي صفقة «فاوستية» بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد مكّنت أبل من تحقيق نجاح باهر وغير مسبوق، لكنها الآن تهدد بتقويض مستقبلها وزعزعة استقرارها، وتتركها في موقف ضعف وهشاشة كبيرين أمام دولة يتزايد نفوذها ومطالبها وسيطرتها على نحو مطرد.

إن النجاح المذهل الذي قاده رئيس قسم التصنيع في أبل، تيم كوك، والذي أصبح لاحقاً رئيساً للشركة خلفاً لمؤسسها العبقري ستيف جوبز، في نهجه الإنتاجي المبتكر في الصين، خصوصاً فيما يتعلق بمنتج الشركة الأهم والأكثر مبيعاً، الهاتف المحمول المعروف باسم الآيفون، قد تحوّل إلى ثقافة عامة راسخة، انتقلت بدورها إلى شركات صينية عملاقة حققت نجاحات مبهرة ومؤثرة على نطاق واسع، مثل شركة بي واي دي في مجال صناعة السيارات الكهربائية، وشركة هواوي في مجال أجهزة الاتصال المتطورة وغيرها. باتت علاقة أبل بالصين من الصعب فصلها أو تجاهلها؛ لأن أثرها وتأثيرها أصبحا ملاصقين لها تماماً، وهذا ما يجعل تحدي التعرفة الجمركية التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب بحق الصين مسألة معقدة وغير بسيطة على الإطلاق، إذا ما أخذت شركة أبل ومثيلاتها من الشركات الأمريكية العاملة في الصين في عين الاعتبار والاهتمام.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة